سم الفئران يتحول إلى دواء

سنة ١٩٢٠ في مزارع كندا وأمريكا الشمالية انتشر مرض غريب بين المواشي كان يجعلها تنزف داخلياً حتى الموت .

عالم أمراض بيطري ، لاحظ أن السبب يكمن في السيلاج المصنوع من البرسيم الحلو الذي يتم اطعامه للماشية (السيلاج وهو نوع من العلف يتم تحضيره عن طريق تخمير البرسيم في درجات رطوبة عالية) ، عن طريق تجربة ، اطعم إحدى الأرانب بالبرسيم الحلو الطازج وأرنب أخر سيلاج مصنوع من نفس البرسيم . تبين أن السيلاج له آثار مسيلة للدم توقف عمل البروثرومبين وكانت الأرانب تموت بسبب النزيف .

ظل السبب في كون السيلاج مسبب للنزيف بينما البرسيم الحلو لا يسببه محيراً لسنوات ، حتى سنة 1940 حين توصل كارل لينك وزملاؤه إلى المادة المسيلة للدم في السيلاج واستخلاصها ، استغرق الامر اربع سنوات من البحث والتجارب لاستخلاص ٦ مليجرام منها ، وأربع شهور أخرى لاستخلاص جرامين تقريبا ، وبعد التعرف على تركيبه الكيميائي أصبح من السهل تصنيعه كيميائياً .


البرسيم الحلو يحتوي على مادة تدعى الكومارين التي تعطيه رائحة منعشة وخلابة ، عند تعرضه للرطوبة فأن أنواع معينة من العفن تنمو وتتغذى على الكومارين وتحوله إلى (دايكيومارول) ، المادة التي تضاد عمل بعض عوامل التجلط وتسبب النزيف . 


تم تسمية المركب باسم (وارفارين) نسبة الى المنظمة التي كانت تمول هذه الأبحاث (سربرايز ، مطلعش اسم عالم ولا اسم نبتة) ، أول استخدام تجاري له كان ك"سم فئران" يجعل الفئران تنزف حتى الموت . 


محاولة انتحار انقذت حيوات كثيرة سنة ١٩٥١ حاول جندي في الجيش الامريكي الانتحار عن طريق تناول جرعات كبيرة من سم الفئران ، عندما تم نقله للمستشفى واعطاؤه جرعات عالية من فيتامين ك (فيتامين ك في تلك الفترة كان يستعمل كمضاد للنزيف، ولم تكن العلاقة بينه وبين الوارفارين معلومة بعد ) تم انقاذه وشفي بالكامل ، بدأت الدراسات حول استخدام الوارفرين على البشر تتزايد حتى تم قبوله كدواء سنة 1954 . 


سلاح ذو حدين ضد رئيسين


من أوائل من استعملوا الوارفرين كعلاج الرئيس الامريكي دوايت أيزنهاور بعد تعرضه لأزمة قلبية سنة 1955 وقد ساعد هذا على قبول الدواء تجارياً بين شريحة واسعة من الناس (تذكر أنه قبل سنة واحدة من هذا التاريخ كان الوارفارين سم فئران  .
توجد افتراضات كثيرة على ان الرئيس السوفيتي جوزيف ستالين قد تم تسميمه باستخدام الوارفارين ، حيث أنها مادة لا طعم لها ولا رائحة وتنتج أعراض مشابهة لتلك التي قتلته . 


ظلت طريقة عمل الوارفارين غير معلومة بدقة حتى سنة 1978 حين تم اكتشاف انه يعمل على انزيم epoxide reductase ويضاد عمل فيتامين ك (حينها تم اكتشاف العلاقة الفعلية بين كليهما واصبح فيتامين ك هو الدواء المضاد في حالات التسمم من الوارفارين ) .
من الابقار النازفة وسم الفئران ، اليوم الوارفارين هو أحد "الادوية الاساسية " بحسب تصنيف منظمة الصحة العالمية (الأدوية الاساسية هي قائمة بالأدوية الأكثر فاعلية وأمان وذات تكلفة منخفضة والتي تلبي احتياجات النظام الصحي ) .
مهمة العلم هو أن يحول العوائق في طريق البشرية إلى سلالم ارتقائها 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مراجعة : قلق السعي إلى المكانة - آلان دي بوتون

سر المزاج الرايق